بقلم : هشام زكريا
في أول سفريه لي خارج البلاد ، كنت اجلس في مقعد بجوار الشباك ، والحقيقة الشئ الوحيد الذي اجاهد فيه ، حتى ولو سفر داخلي أن أجلس بجوار الشباك ، العالم الخارجي يحتاج أن تشاهده وانت بتتحرك ، على فكرة بتطلق لك الخيال والذكريات وتعمل لك عمليه فصل.
المهم ، وأنا جالس بجوار الشباك ، كنت أيضا بالظبط على منطقة جناح الطائرة ، وكانت اضواء الجناح تنور وتطفي كل شويه ، وخيالي سرح بعيد جدا ، هو في حد بيطارد الطائرة ، ايه الأنوار دي ، ولسوء حظي كانت طائرتي بالليل ، فكان الخوف من السفر وكلمات” وإحنا ماشيين على الحدود ” لفرقة الأصدقاء ، ترن في أذني فيزداد خوفي ودقات قلبي وكمان حاجه بتنور وتطفي ، يا بؤسك يا قرمط !!
حضرت المضيفة وسألت حضرتك تاكل فراخ ولا لحمه ، كنت حاسس أني عايز اضربها قلمين على وشها ، فراخ ايه ولحمه ايه في المصيبه اللي احنا فيها ، هو انت مش شايفه الطيارة مرصودة وفيها حاجه ماشيه وراها ..قلت بسرعة وبوجه غاضب .. قهوة ، قالت حضرتك ده وقت الأكل ، لم أرد إلا بكلمة واحده .. قهوة ، تركتني ومشيت وهي اكيد بتقول يلا بجملة المجانين هي المشرحه ناقصه قتله.
ظللت انظر يمنيا ويسارا ، الركاب في حالة هدوء ، ومحدش مبحلق عينه كل شويه ويبص من الشباك غيري ، وفجأة لقيت الرجل اللي كان جالس بجواري وكان في منتصف الأربعيينات وأنا لسه في منتصف العشيرينيات ، ماسك المصحف وعمال يقرأ قرأن ويستغفر ويرتجف ، قلت بس ، الرجل ده فاهم زي ، الله يخرب بيت ابوكم بتكلوا كده واحنا ممكن في لحظة تضرب الطياره أو تقع .
ـ مع تواصله في قراءة القرآن والخوف والرعب اللي عملوا بجواري ، قلت لأ بئا مفيش فايده ، سألته مباشرة ، هو الطائرة هتقع ؟!
بص لي في هدوء وسكت وقفل المصحف ، وقال لي : ليه ؟
قلت له : انت بتقرأ قرآن وشكلك حاسس بأننا في خطر ، قال لي : لأ مش هتقع ولا حاجه ، أنا بس عندي فوبيا من الأماكن العليا ، ومعنديش بديل عن السفر بالطائرة ، فبحاول أقرأ قرآن عشان اهدى .
قلت له ياراجل حرام عليك ، أنا كنت فاكر أننا خلاص كلها ساعات وبدل أغنية واحنا ماشين على الحدود اختفى النيل الجميل من تحتنا ، اللي شغاله جوايا ، أني لو تبقى مني حاجه هتكون بقايا طعام لأسماك القرش !!
ابتسم وبدأ يهدأ ، ويتكلم معايا انت رايح فين وبتشتغل ايه ، واصبحنا أجمل اصحاب لمدة ساعتين ونصف هي عمر الرحلة حتى نزلت الطائرة في المطار وأنا اللي مش مصدق أني لسه عايش.
المهم الرجل عرض على اي خدمات ، قلت له :مش عايز اشوفك تاني ، ولا تقعد جنبي ، أنت خلصت على ، ولكن ظل السؤال يلعب في رأسي ، هو النور اللي كان بينور ويطفي ده آيه .. يا مصيبتك يا قرمط !!