الأمل هو الذي يجعل لحياتنا معنى، ويحفز الإنسان على التغيير وعلى المضي قدمًا في حياته. هو تلك القوة السحرية التي تمنح للإنسان إرادة الحياة وتدفعه للمقاومة وقهر اليأس ومواجهة الصعاب في حياته.إن من أساسيات السعادة في حياة الإنسان أن يفعل ما يحب أو أن يحب شخص أو أن يكون له أمل في حياته يحاول الوصول إليه وتحقيقه رغم تحديات وصعوبات الحياة. فالأمل هو القوة الكامنة التي تمنح كلًا منا روح الحياة، فهو من الموضوعات الإنسانية الحيوية التي تخص الوجود البشري في كل زمان ومكان، فلم يوجد إنسان على وجه الأرض منذ بدء الخليقة لم يستشعر حاجته إلى قوة الأمل.
يقول الدكتور فؤاد زكريا: إن كل جيل يرى في نفسه جيلًا استثنائيا، وفي زمانه زمانًا استثنائيا، ومنعطفًا مهما في التاريخ، وأنه يحيا ” اللحظة الحرجة”. وبالتأكيد هذا صحيح لجيل صنع ثورتين ، فنحن جيل بذل العرق والدم والدموع والوقت والجهد من أجل التغيير إلى الأفضل وعلقنا آمالًا كثيرة على ذلك. ولم يفق هذا الجيل لقد أصبح العالم أمامه مرعبًا عندما باغت فيروس كورونا المستجد(كوفيد19) العالم بسرعة تفشيه، فلم يرحم أحدًا ولم يعد على وجهة الأرض بلد بمنأى عنه،
ولم يتوقع العلماء منذ ظهوره أن المارد يخرج وينتشر مثل النار في الهشيم من “وهان” الصينية بهذه السرعة ويغزو القارات البعيدة ويدمر المجتمعات ويقطع الأوصال. فياترى هل يمكن أن يضيع الأمل من هذا الجيل؟ أم سيظل يبحث عن الأمل في وقت قد زادت فيه الضغوط إلى الحد الذي لا يحتمل؟ فلقد أصبحنا بحاجة إلى شحنه أمل تعيننا على مواصلة السعي في هذا الزمن والتغلب على اللحظات الصعبة التي شملت جميع جوانب حياتنا.
أن جيلنا المعاصر الذي يتابع الفيس بوك وتويتر أو يشاهد برامج التلفزيون لا يجد ما يسر أو ما يجعله يتأمل في غد أفضل، بل كل الاخبار تدعو إلى السأم، فالحروب والأوبئة في كل مكان، والفقر والفساد يعمان العالم بما في ذلك بلدنا. فإن اللحظة التي تمر بها مصر والعلم كله هي لحظة فارقة بين ” أما….أو…..” إما أن نعبر تلك اللحظة إلى ماهو أفضل، وبما يجعلنا قوة مؤثرة بشكل إيجابي في العالم، أو أن يتم تهميشنا والإبعاد ومن ثم نخرج من حركة التاريخ العالمي.
ولكي لا نخرج من حركة التاريخ العالمي يجب علينا أن نتمسك بالأمل في حياتنا رغم مرارة الأحداث وما يمر بنا. فغياب الأمل عن الإنسان، يجعل منه شخصًا باردًا مفتقدًا للإحساس، يحيا اللامبالاه مما يقتل عنده روح الإنتماء ويورث الإحباط لكل من حوله. وكلما زاد الإحباط أصبح الفرد أشبه بالميت وفي تلك اللحظة يهون عليه كل شئ، حتى الوطن، يفقد الوطن معناه ويصبح عنده مجرد حفنه من تراب تنتظر من يزورها. عندما يموت الأمل في نفس الإنسان يكون بالنسبه له كل شئ مباح، وتلك أسواء لحظة تمر بالأفراد وبالأوطان.
وهذا ما فعله فيروس كورونا جعل الناس بلا وعي وبلا أمل و ردود أفعال متباينة، منها البحث عن السبب، سواء كان خطأ بشر، أم إرادة إلهية. هل هذا الوباء، عقاب إلهي أم مؤامرة لصناعة توازن إقتصادي بين الصين وأمريكا القوى العظمى في العالم؟ هل هو علامة على نهاية العالم أم تأديب إلهي ليعود الإنسان إلى عقله وقلبه وربه؟ ما يقارب من خمسة ملايين شخص مصابون بهذا الفيروس حتى كتابة هذه السطور، بل وعشرات من الآلاف الذين فارقوا الحياة،
ولا تزال الصورة قاتمة. فلقد أصبح الخوف والقلق يلقيان بظلال كثيفة تكسر روح الحياة ومعناها، ويتسلل روح اليأس والإحباط للنفس، بل تشويه الرؤية لما بعد الكورونا، فتشل الإرادة للمستقبل ويفقد الأمل، وعندما يُفقد الأمل ويمتلك اليأس على الإنسان، يضل المرء الفكر السليم، فلا يجد مجالاً للتصرف الأخلاقي السوي مع نفسه ومع الآخرين.
لكننا يمكن أن نجد الطمأنينة في قوة الأمل، فالحياة تبدو مستحيلة بغير الأمل، فالأمل هو القوة التي تمنحننا القدرة على الاستمرار في الحياة وأننا برغم كل ما نلاقيه من الآم وعذاب، فإن الأمل هو الذي يجعلنا نستمر ونقهر الشعور بالموت. فالأمل هبة سماوية، وهدية الله للعباد. هذا الجزء الإلهي هو صلة الوصل بين الإنسان الذي يعيش الحياة على الأرض وبين الـله غير المحدود الزمان والمكان. إنها الروح التي تشكل هوية الإنسان. ومن هنا إذا واجهنا الوباء أو الأزمة من منظور هذا الوجود الإلهي فينا، فإننا نكون على يقين أن الحياة قد تتعدل وتتبدل ولكنها لن تنتهي.
إذن فعلينا أن نجعل الأمل حيًا في حياتنا لايموت، ونفكر دائمًا نحو الأهداف التي نريد أن ننجزها في حياتنا، و التركيز بالتفكير على الأشياء التي تجعلنا نشعر بالامتنان لأنها تتوافر لدينا، فلنفكر في الماء الذي نشربه وفي الطعام الذي يكفينا وفي المسكن الذي نشعر فيه بالراحة، أي أن يفكر الإنسان بأنه أحسن حالًا من غيره.
فالأمل يعيش عندما نركز بتفكيرنا على الأشخاص الذين نحبهم وتقديم بعض من الاهتمام والعناية لهم، فالإنسان يرتقي بوجوده وتقل لديه الضغوط عندما يهتم بشخص أو شئ، فالتركيز بفكرنا على الأشياء الجميلة التي توجد في حياتنا مفتاح لبقاء الأمل فينا حيًا. يقول ” أندريه مالو” في ختام روايته “الأمل” ( في عالم بلا أمل يصعب التنفس). فالأمل وفق هذه العبارة يساوي الحياة،
فعندما نفقد الأمل، نفتقد أي رغبة في الحياة وبالتالي نشعر بالموت يتسرب إلى نفوسنا، علينا جميعًا في ظل هذه الظروف نتمسك بالأمل من أجل بقائنا. فالأمل يجعل الإنسان قادرًا على مواجهة المشاكل بشكل أكثر فاعلية و أكثر مرونة ويعطي له القدرة على تخيل النتائج الإيجابية التي يمكن أن يصل إليها لحل المشكلات ومواجهة الأزمات و يفتح ذهنه لاكتشاف مواقف جديدة ليتعلم منها ويزيد من خبراته.
قوة الأمل هي إحياء لأروحنا التي جفت منابعها، فهيا نعيد نقاء هذه الروح بالوصلة الإلهية النابضة بقوة الأمل في أجسادنا، ونتغلب على الخوف ونستنطق الحياة من وباء كورونا المميت. أنها غمة وتزول، بقوة الأمل والصبر وتجديد الروح فينا، فلولا وجود الظلام لما أبصرنا النور. ولنستلهم الأمل بأن الفرج قريب. وأختتم مقالي بأبيات شعرية رائعة كتبها الشاعر فاروق جويدة قائلاً:
مهما توارى الحلم في عيني وأرقني الأجل
مازلت ألمح في رماد العمر شيئا من أمـَل ..
فغداً ستنبت في جبين الأفق نجمات جديدة ..
وغداً ستورق في ليالي الحزن أيام سعيدة ..
وغدا أراك على المدى شمسًا تضئ ظلام أيامي و إن كانت بعيدة.
– قوة الأمل في عصر الكورونا لـ الدكتورة سارة عبدالخالق محرم – دكتوراه في علم الجمال